Archive | février 2011

مدينة الواق …. واق … !… !

 -بقلم : عبد الصـادق عبــادة

 آسفي …… تلك حكاية قديمة حديثة … المدينة التي قبل لنا ونحن صغار، أنها موغلة في القدم، ولا يعرف تاريخ بنائها حتى الآن …. مدينة اشتهرت بكونها في لحظة زمنية عامة للسردين، ومعهدا للخزف وحاضرة للمحيط … إنها أرض الصلصال والبحر والانسان الكادح … حتى أن الباحث في تراثها، والمنقب في وثائقها لابد وأن يعثر على مجموعة من المراسلات التي كانت ترسل إلى العديد من المدن والقرى المغربية كالرسالة التاريخية المشهورة المفتتحة بعبارة  » من مدينة آسفي إلى قرية فاس » … هذه المدينة تخرج من بين دروبها ومدارسها العديد من الأدباء والمفكرين والشعراء، والمتصوفة كان في لحظة زمنية منطلق المسلمين إلى الحج، وخير دليل على ذلك ما كان يقوم به شيخها الكبير ووليها الصالح  » أبي محمد صالح » …. هذه المدينة اليوم تئن وتحتاج إلى من يسمع أنينها ويضمد جراحاتها، ويخرجها من بؤس حالتها التي تجعل القلوب مفترة تعيش كمدا، فتعالوا معنا نسافر إليها عبر مداخلها كبوابات تعرف بها، والتي تؤكد بالملموس أن هناك شيئا في الخفاء يحاك ضدها  وضد نهضتها، وكأن آل المجالس التي مرت من هنا لم تحسن إلى تشويهها ودفنها إلى الحضيض أو تقديمها قربانا لطاغوت إسمه الاندحار …. لندخل المدينة إذن عبر  » سبت جزولة » … سنجد المزبلة وروائها التي تخنق الأنفاس وتزكم الأنوف … أو لنختار الدخول عبر الطريق الشاطئية مرورا بالصويرية القديمة … سنصطدم بأبخرة المعامل الكيماوية التي لا يختلف أحد في كون مساهمتها الكبيرة في انتشار أمراض الحساسية والربو… المدخلان نديرا شؤم قبل الدخول .. أما إذا اخترنا الدخول عبر  » ثلاثاء بوكدرة » فإننا سنجد مقبرة  » بوديس » التي امتلأت عن آخرها فانعدمت الممرات بين القبور لأنها هي ما تبقى صالحا للدفن، ومن يريد أن يزور أحد أقاربه لابد وأن تطأ قدميه قبورا أخرى … مدخل آخر، هو الآخر لا يبشر بالخير هو المدخل الشمالي، والذي يجعل زائر المدينة يمر أمام السجن المدني المعروف بـ  » بابور السيما »، وكلها مداخل تمثل ندير شؤم كما أسلفنا، وتحتاج من القائمين على المدينة وأمورها، أن يفكروا في مداخل تدخل البهجة على نفس الزائر، وتحبب له المدينة وهو في الطريق إليها، وتكون بمثابة مفتاح سياحي، ويساير بعمق حقيقي حديثنا عن البيئة والإنسان وحمايتهما. فالمدينة تدهورت ، وإنسانها يعيش وضعية صعبة .

إن هذه المدينة التي كانت محجا وقبلة للعديد من الزوار، وخصوصا في فصل الصيف والربيع، هي الآن رغم أنها مدينة شاطئية تعيش بلا شاطئ، حتى الوحيد بها ليس شاطئا صالحا لأنه الأخر مجاور للميناء ومعرض لتسرب ملوثات السفن من جهة ومن جهة أخرى شاطئ متوحش، وشاطئ الصويرية القديمة القريبة من آسفي مهدد هو الآخر بملوثات نفايات كيماويات المغرب التي ترمى في البحر.

ها نحن دخلنا المدينة بعد معاناة مرورنا بمداخلها التي اعتبرناها ندير شؤم … ما الذي سنجده فيها يمكن أن ينسينا لعنة المداخل ويجعلنا نحضن المدينة في فرح تتكرر معه زيارتنا إليها؟

بطبيعة الحال لاشئ يذكر … فكل شيء هنا أصبح بدون قيمة، ويفرض على المسؤولين الجماعيين والمرتبطين بتدبير شؤونها وشؤون نهضتها، فتح العديد من الأوراش الدائمة والمستمرة … بنايات أثرية متآكلة آيلة للسقوط، حالة قصر البحر، المعلمة البارزة نخرتها المياه البحرية حتى أنه أصبح مهددا بالزوال رغم العديد من صرخات استنجاد أبناء هذه المدينة على مستوى العرائض المديلة بتوقيعات أبناء هذه المدينة من جميع ربوع العالم … إذ أصبح كل من يود الدخول عبر الممر الأرضي إليه أن يضع العديد من الاعتبارات أمامه، ويركز في خطواته حتى لا يسقط أو يسقط عليه جدار … هذه نقطة واحدة من بحر عميق لأن مشاكل المباني المعمارية الأثرية بهذه المدينة كثير وتحتاج من مسؤولي القطاعات الحكومية محليا أن لا يقفوا عليها وقفة المتفرج حتى تنهار وتنقرض أو تهدم كماحصل مع بناية السقالة وبرج  » كدية لعفو » المهدمين في إطار مخطط الكورنيش الذي ليس له من الكورنيش إلا الإسم، بل هو مرتع للسكاري والمكبوتين و » الشمكاري » و » المجانين » الذين كثروا في هذه المدينة، ويصلونها أفواجا أفواجا ،لا ندري من أين ولا كيف، وذلك ملف أخر تحتاج الكتابة فيه إلى أكثر من موضوع ، ماداموا قد انتشروا بشكل فضيع بالمدينة، وأصبح لكل أربعة من ساكنة المدينة مجنون يتعقبهم.

إن ما يسري على مآثر المدينة العمرانية يسري على طرقاتها وشوارعها، فاغلبها ضيق تعلوا أرضيته الحفر، وتملأ جوانبه عربات الباعة المتجولين الذين أصبحوا يتكاثرون كالفطر وبشكل يجعل الأسئلة تتناسل ولا تنتهي، حتى أصبحت المدينة بعد ندير شؤم مداخلها وفساد هوائها بكل مضار الملوثات، مدينة ل  » الشمكارة  » و »المجانين » و » الباعة المتجولين » و » الفراشة » ولا شيء بعد ذلك.

هذه المدينة التي يمكن أن نصنفها ضمن خانة المدن الغنية على مستوى المداخيل،             ما دامت زمن التقسيم الإداري السابق والذي قسمها إلى ثلاث جماعات قد تواجدت بها                  » جماعة أسفي الزاوية » وكانت زمنها ثاني أغنى جماعة بالمغرب على مستوى المداخيل … مدينة يمكن أن تكون سياحية بامتياز وذات جمالية نادرة لو وقف المسؤولون الجماعيون هنا عن تدبير شؤونها وقفة نقدية جريئة، وواضعين في الاعتبار مصلحة المدينة وساكنتها أولا وليس مصلحة عقاراتها ومشاريعهم الشخصية، كما أنها يمكن أن تشهد نهضة عمرانية اقتصادية، وفي صالح الفئات المستضعفة ذات الدخل المحدود أو لها دخل موسمي، ولو فتحت الأبواب لمقاولات أخرى في إطار من الجودة والتنافسية الشريفة بدل الاقتصار على مقاولين اثنين أو ثلاثة دون غيرهم، وكذا فتح الأبواب لشركات كالضحى ومساكن السلام وأناسي وغيرها مثل باقي المدن المغربية. مع وضع شروط تراعي جمالية المدينة وحقها في أن تكون عصرية وذات بعد سياحي، مع التفكير في الأحزمة الخضراء باعتبارها متنفسا مجاليا من جهة، من جهة أخرى ، دورها التي تلعبه في تنقية الجو مما لحقه من تلوث، فرحمة بسكان هذه المدينة الذين يعانون في صمت ، وجوههم شاحبة وأجهزهم التنفسية منخوره، حتى أنك إذا زرت الأطباء هنا سيخبرونك مؤكدين أهم لم يعرفوا طيلة مدتهم العملية إلا زوارا يعانون من أمراض مرتبطة بالتلوث.

إن مدينة آسفي الآن محتاجة إلى كل أبنائها الغيورين، أولاد الدار كي يفكروا بجد في الكيفية التي يمكن أن تخرج بها من هذا القمقم المقيت الذي يجعلها دوما آيلة للسقوط في أحضان الاندثار كما اندثرت العديد من معالمها، وغاب ضوءها الذي اشتهرت به نتيجة جدرانها البيضاء التي أصبحت حمراء بفكرة عبقري لا يعرف من جمالية الألوان شيئا.