Archive | juin 2011

في الجهوية الترابية

مدخل أولي:من المعلوم أن التراب في التشريعات و الدراسات و الأبحاث يعتبر فضاء و مجالا لمختلف المكونات الطبيعية و السكانية و المجتمعية الموجودة به دون إغفال مجموع العناصر المشكلة لوجود هذا التراب ارتباطا بالأنشطة الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و بالتالي السياسية.

إذن فالتراب الوطني هو نتاج تاريخ تشيد عبر قرون من طرف مجتمع له تنظيمه الخاص به بهدف الاستجابة لحاجيات التسيير والأمن و التنمية، و يعتبر مكونا من مكونات الهوية التي تستند إلى المجال المشكل للأسس المادية للحياة الجماعية و استمراريتها التاريخية و بهذا المعنى يصبح التراب ذلك الفضاء المادي و الجغرافي و السكاني و السياسي و الثقافي و الاقتصادي أي مجال بشري و تاريخي المفروض تنميته المستمرة و التعامل معه يحتاج إلى استحضار مفهومه أثناء أي تدبير مجالي، إي استحضار السياسي إلى جانب الدينامية الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و لا ينبغي استحضاره انطلاقا من منظور التقسيم الإداري فقط.

السياسة الترابية بالمغرب:

يبدو أن التأكيد على أن أغلب الدول الديمقراطية لعبت دورا كبيرا و معمقا في مسار تجدير السياسات الجهوية و حلت بعضها وارتبطت أدوارها التنظيمية ارتباطا وثيقا بدينامية تطوير السياسة الترابية انطلاقا من الأبعاد التاريخية و الثقافية في مسار ممتد اجتماعيا وسياسيا مسار يحرك و يؤثر في صيرورة التنمية المجالية .

ونحن إذا تعمقنا في قانون تنظيم الجهات بالمغرب يتضح طغيان الهاجس المرتبط بمفهوم اللامركزية المتعلق بنموذج الدولة الوطنية المركزية (المركز والهامش) اعتمادا على المقاربة السياسية للتراب الوطني، و نجد أن المجالس الجهوية المعمول بها حاليا لا يجوز لها التداول في قضايا ذات بعد سياسي و لا يجوز أن يمس أحداثها و تنظيمها بوحدة الأمة ولا بالوحدة الترابية للمملكة، ووزارة الداخلية كانت إلى الآن هي التي تتولى تدبير المسّألة الترابية .

وبناء عليه فالمطلوب حاليا و نحن أمام تحول كبير في المغرب مع هذا الحراك السياسي الأخير ومشروع الدستور الجديد فإنه يجب وضع نظام جديد للجهة باعتبارها جماعة ترابية جديدة كي تلعب دورها في تحقيق كافة الأعباء ذات الطابع المحلي و الجهوي عن الدولة، و حتى تتفرغ الدولة إلى ممارسة وظائفها الأساسية.

لقد كانت سياسة المركزية الاقتصادية هي السائدة بالشكل الذي يكرس الهامشية والاصطفاء المجالي والاجتماعي و ذلك في غياب نظرة تضامنية و اندماجية توزع الأدوار و المهام حسب معطيات المجال وقدراته في خلق دينامية تنموية منتجة.

إن تحول معطى الاختلافات المحلية والجهوية من مستوى التنوع المجالي و الثقافي إلى مستوى مسار الإجراءات المتعاقبة عن الإنسان و محيطه و تهميش إمكانية المحلي ومقومات تنوعه الثقافي و اللغوي حيث كانت الدولة والأطراف السياسية المتحالفة معها ترى في هذه الاختلافات مصدر قلق و توثر و مبررا قضائيا و سلطويا لفرض النظرة المركزية للفئات المهمشة و تعاطيها الانتقائي مع مختلف تجليات وعناصر القضاء الاجتماعي والثقافي الوطني.

إذن كيف يمكن أن نكون ؟

إن الحاجة إلى سياسة ترابية جديدة في المغرب تجعل العديد من الفاعلين الأساسيين والحركات الحية في البلاد تطرح بقوة مجموعة من التطورات و المطالب السياسية و التي استجابت لها الدولة من خلال إقدامها على فتح نقاش موسع حول الجهوية من جديد، وعلى هذا الأساس أصبح التفكير الموضوعي في موضوع الجهوية في المغرب مطروحا بجدية وهو ملزم بأن لا يقفز على المعطى اللغوي و الثقافي الذي يحضر بقوة في إطار تحقيق التنمية الاجتماعية.

وعندما تثار مسألة المدخل اللغوي و الثقافي في أي حديث من تدبير المجال الترابي ببلادنا يطرح سؤال التقطيع إذ لا يجب أن يعتمد إقصاء أي تفكير أو تخطيط علمي وديمقراطي لقضايا الجهوية الموسعة بالمغرب، و بناء عليه فإن المعطى اللغوي والثقافي في فضاء المغرب المعاصر هو غير مرتبط بتحديد مجالي مضبوط بانتهاء شرعي محصور حيث تتداخل مختلف عناصر التعدد اللغوي و الثقافي داخل بعض المجالات السكانية خاصة بالمدن وذلك نتيجة الأخطاء المترتبة على السياسات التي تم اعتمادها في السابق.

وعليه نرى أن التفكير الجديد في الجهوية الموسعة المعاصرة انطلاقا من هذا البعد الترابي يجب أن لا يتعدى ست جهات كمناطق أسياسية (منطقة الشمال او المنطقة الريفية والساحل المتوسطي) (منطقة سوس) و(منطقة الأطلس المتوسط و مراكش تانسيفت الحوز) و (منطقة الساحل الأطلسي ) و (منطقة الصحراء).

إن واقع التداخل و التفاعل الديمغرافي قريب من منطق الأشياء التي تجعل المغرب متكون من جهات تشكل مجالات ترابية أساسية ولا يمكن فصلها عن امتدادها التاريخي وهويتها اللغوية و الثقافية و انتمائها المغربي.

إن تدبير مجال التراب الوطني يجب أن يشكل منطقا للتحول الديمقراطية انطلاقا من التدبير العقلاني و الديمقراطي انطلاقا من المعطيات الواقعية والمطالب السياسية والثقافية وآفاق التدبير الوطني، و هذا يعني وضع سياسات مجالية منصفة تراعي الاختلافات القائمة ويسعى إلى تحقيق توازنات منتجة.

أما بعد:

إن كل محاولة لطرح التدبير السياسية لموضوع في الشأن الجهوي ببلادنا واستحضار الغاية و الهدف من التدبير المجالي و السياسي و الترابي باعتبار الجهوية آلية من آليات التنمية ومدخلا أساسيا وتخطيطها و تدبير المنصف والمجدي يتطلب وضع المشروع التنموي والديمقراطي بمختلف أبعاده و مساراته السياسية و الثقافية والاجتماعية في كل محاولة.

بقلم: عبدالصادق عبادة