Archive | avril 2011

هل بالفعل نمتلك مشروعنا؟

 

تتحول الامور اليوم بسرعة البرق، و تتغير الاحوال و حتى العقليات و السياسات بفعل المؤثرات الداخلية و الخارجية، و بفعل مجموع العوامل التي تتخذ انطلاقا من مواقع جغرافية و حضارية شكلا تطوريا يؤدي في نهاية المطاف إلى تحول جذري يمس الفكر، كما يمس العلاقات و السلوكات و الممارسات اليومية، مادام التطور يسير عبر خطوط منحنية وقفزات من الكم إلى النوع، و النظرة إلى العالم كنظام في التفاعلات المتغيرة باستمرار ، نبقى معه « نحن » و نحن متغيرين في نفس الوقت .

 

و مع كل ما يشهده العالم اليوم من تحولات خلخلت الساكن و زلزلت التوابث،          و دفعت بالعديد من الأنظمة إلى إعادة مراجعة و ترتيب أوراقها التي تبعثرت بفعل ثورات شعبية هنا و هناك و كأن التاريخ يعيد نفسه بشكل مغاير  أكثر سرعة و أكثر تطورا          و بتسميات متعددة و أشكال لها فعلها في اليوم كما في الحياة عامة.

 

هل استوعبنا الدرس و فهمنا الحدث و تصالحنا مع ذاتنا و خلقنا مسافة بيننا و كل السلوكات و الممارسات التي تشل الحركة الفاعلة و تجعلنا لا نعي من أمسنا و غدنا شيئا.     و نعيش راهننا و كأننا غير معنيين ؟

 

ما الذي حدث عندنا، و ما الذي يمكن أن يحدث ، و هل يمكن أن يحدث أي شيء؟

 

يتضح من خلال قراءتنا للأحداث ، و من خلال فهمنا المتواضع لراهن التحولات في العالم ، أننا بالفعل لازلنا قابعين ،  في أماكننا إن لم نقل ساكنين سكون القبور ، رغم الصيحات و الاحتجاجات و الحركات هنا و هناك، و حتى و إن تجاوزنا هذا السكون /الجمود فسرعتنا سرعات .

 

العقليات التي يمكن أن نعول عليها مازالت متشبثة بالماضي لا تبرحه رغم أنها تدعي الحداثة ، لا تفكر إلا في مقاومة أي إصلاح يمكن أن يمس كياننا و يؤدي إلى قفزنا الايجابي نحو الأفضل ، و هذه العقليات قد تلعب دورها في الكواليس من خلال خلق الحركات و الدفع بها إلى الاحتجاج و التظاهر في الشوارع بحجة الدفاع عن التغيير و الدمقرطة و حقوق الانسان ، و هي في الواقع لا تمتلك الرؤية الحداثية الحقيقية للمستقبل و لا تريد أن تتخلى عن مصالحها التي حصلت عليها في لحظة تاريخية ما، و كانت دوما في مقاومة أي تغير ، هذه العقليات يمكن أن نقول عنها هي جزء من نخبتنا السياسية، فلا غرابة أن يلتقي اليساري  الجدري و الظلامي السلفي، في خندق واحد، و هذه سرعة إلى الوراء و ليس إلى الامام.

 

الأحزاب السياسية عندنا و التي تبعثرت منذ زمن لم يعد لها أي دور في تأطير          و تأهيل الجماهير كي تقوم بدورها الحقيقي، و أصبحت بفعل تجاوز التطور لها عبارة  عن دكاكين انتخابية لا تلملم شتاتها و تخرج إلى الوجود إلا لحظة الاستحقاقات و كأنها وجدت أصلا من أجل ذلك. فتخلت عن مشاريعها المجتمعية و أصبح نضالها الذي كان فاعلا، نضالا من أجل الحصول على مقاعد وثيرة و التظاهر بأنها ذات مصداقية و ذات تاريخ، ولو أدى بها ذلك إلى البحث عن « الفنادقية » و « أصحاب الشكارات » كي يمثلونها في مجموع المؤسسات و تقول أنها تمثلك او تمثل الأغلبية و هي في الواقع لا تمثل إلا نفسها و تساهم في عرقلة التحول و التغيير أو فرملته… لقد كانت أحزابنا رحمها الله مدارس حقيقية لتكوين و تأهيل و تأطير الجماهير كي تكون صاحبة رأي و صاحبة فكر و لها إيمان بالمبادئ و قناعة راسخة  نحو الأفضل  صاحبة نظرة للمستقبل ، وفق مشروع مجتمعي حقيقي ، فأصبحت مدارس تفرخ الانتهازيين و أصحاب المصالح التي هي الاخرى إن تمكنت من مصلحة دافعت عنها من خلال تمسكها بها ولول أدى بها المطاف إلى خلق شبكات وحركات لمقاومة أي تحول أو تغيير ، و هذه سرعة أخرى إلى الوراء .

 

و بالأمس القريب كان للنخب عندنا دور سياسي كبير و المشروع المجتمعي،          و تساهم بشكل فاعل في التاريخ السياسي بلدنا … نحن بحاجة إلى نخب جديدة أكثر حداثة و تنظر إلى المستقبل نظرة المتفائل و تصنع من لحظتها منطلقا يتبنى الاستفادة من التراكم لخلق النوع من خلال الانخراط الوظيفي فعليا في صنع اللحظة التاريخية الجديدة التي تشكل الرهان الأساسي ارتباطا بالمكون البشري كأساس و أولوية نحو الأفضل !!.

 

 

 

 

مجرد رأي

بقلم : عبد الصـادق عبــادة

عرفت الساحة العربية في المرحلة الاخيرة مجموعة من التحولات التي عصفت بأنظمة سياسية لم يكن أي محلل سياسي يتصور أنها ستنتهي بهذا الشكل . خصوصا و أن هذه الانظمة جاءت هي الاخرى نتيجة ثورات حملت معها مشروعها المجتمعي و السياسي لمرحلة سابقة، هذه الحركة زعزعت الكيان الدولي و جعلته يعيد حساباته ، في العديد من القضايا و التصورات ، حركة ثورية من نوع جديد قادتها شعوب عانت الفقر و التهميش كما عانت البطالة و انسداد الآفاق و تزعمها شباب حملوا مشاريع مجتمع افتراضي سهلت انتشاره وسائل الاتصال الحديثة. لم يلتقوا و لم يجتمعوا في ندوات أو تجمعات ، بل كان الرابط بينهم مواقع الفيسبوك انتشرت عن طريقها المشاريع و المطالب و حتى تواريخ الحركات الانتفاضية  بسرعة البرق، حتى أصبحت كل بقعة من العالم العربي تهتز و تغلي، و لعل ما حدث في تونس و مصر و الآن في ليبيا و اليمن الدليل الأكمل على أن العالم العربي استطاع أن يعطي الدرس الكبير لكل الشعوب على نضجه و أحقيته في تحول  نحو الافضل و أنه عالم قادر على أن ينتفض و يعيد بناء مستقبله انطلاقا من انتفاضاته بما يضمن له المشاركة الفاعلة و الناجعة في هذا البناء بشكل جماعي و ديمقراطي . و المغرب باعتباره البلد الذي تجعله المواقع الجغرافية قريبا من أوربا و في قلب العالم العربي و الإفريقي،        و نظرا لخصوصيته التاريخية و استقراره السياسي و تجربته الديمقراطية الواعدة فقد تأثر إلى حد ما بريح  هذه الحركة الثورية العربية ، مما جعل شبابه الحامل  هو الاخر لمشاريع افتراضية ينتفض بشكل سلمي و يخرج إلى الشارع مطالبا بإسقاط الحكومة و حل البرلمان و الاصلاحات الدستورية الضرورية للمرحلة . فهل نحن بالفعل لنا نخبة سياسية قادرة على تحمل المسؤولية نحو بناء المستقبل و تأطير الشارع المغربي؟

و لنأخذ لها أرضية منطلقا هنا مدينة آسفي التي تحركت بها مجموعة من التحركات الاحتجاجية سنجد أن المجالس البلدية بها أشخاص لا يمثلون إلا أنفسهم غير قادرين على استيعاب المرحلة بأبعادها كما أن ممثليه بالبرلمان لا علاقة لهم بالمدينة و بهمومها و هموم ساكنتها ، أما الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني فحدث و لا حرج. آن الأوان أن نعلن        و بكل جرأة أنه ليست لنا نخبة سياسية حقيقية يمكن أن تلعب دورها الفاعل في التاريخ كما كانت لنا في التاريخ القريب و البعيد ، و غياب الجماهير و الشباب معهم على وجه الخصوص في الاستحقاقات السابقة و عزوفهم عن التصويت و عدم تحمل مسؤوليتهم أفرز لنا نخبة هشة صاحبة عقارات  ومشاريع فلاحية و لا تفكر إلا في ذاتها اما المدينة و ساكنتها فلتذهب إلى الجحيم .

إننا و في هذه المدينة العريقة التي تمتلك ثروات اقتصادية مهمة بحاجة إلى نخب حقيقية تستطيع أن تقود المدينة نحو الأفضل و تساهم بشكل فعال في المشروع الحداثي الجديد للمغرب و الأمل معقود على الشباب في الاستفادة من تجارب تاريخيه البعيد و القريب و قراءته المتأنية لتاريخ التحولات عربيا و كونيا و مشاركته الفاعلة و  الضرورية في المشروع الحداثي الديمقراطي جماعيا و بشكل مسؤول.